الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

دولة بوليسية لا سياسية

دولة بوليسية .. لا سياسية
فشل النظام في إدارة جميع الملفات الشائكة

هل نجحت المعالجة الأمنية لملف الأقباط؟!.. سؤال
طرحه العديد من الشخصيات ومنظمات حقوق الإنسان، وتم تقديمه في بلاغ رسمي الي
النائب العام.. السؤال يحتاج إلي إجابة واضحة. هل آن الأوان لإبعاد جهاز
الأمن عن الملفات السياسية، ومنها ملف الأقباط وملف الإخوان المسلمين وملف
النقابات المهنية والعمالية وملف الجامعات وملف التعيينات في وظائف الدولة
وغيرها من ملفات شائكة واستبداله برؤي سياسية واجتماعية؟! الأمن أصبح الآن هو
اللاعب الأساسي في المجتمع..
وتحول السياسيون الي تابعين يسيرون بأوامر من الضباط، والنتيجة أننا دولة
بوليسية.. والأعباء الكثيرة التي ألقيت علي كاهل الأمن جعلته عاجزاً عن أداء
مهمته الأولي وهي حماية الأرواح والممتلكات والتصدي للجريمة.
حادثة كنائس الاسكندرية الثلاث كشفت عجز الأمن المصري صاحب التاريخ والخبرة
في حماية الكنائس من عدوان شخص واحد وفقاً لرواية الأمن.. وكشفت مصادر
التحقيق عن وجود ثغرات أمنية في الحماية علي الكنائس الثلاث، خاصة ان الذي
يحرس الكنائس جنود أمن مركزي لا يتحركون إلا بأوامر بجانب حالة الاجهاد التي
هم عليها بسبب كثرة عدد ساعات الخدمة التي يقضونها.
فشل دائم
الملف القبطي في يد الأمن منذ سنوات طويلة.. ومن المفترض انه جهة الوصل بين
الكنيسة والحكومة.. وبسبب تغييب السياسيين ورجال الدين من كلا الجانبين
تصاعدت الأحداث في الإسكندرية وقبلها في العديسات بالأقصر، وغيرها من أحداث.
ودور الأمن تحول في السنوات الماضية إلي دور سياسي وتناسي دوره الأساسي
وأصبحت وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة صانع القرار السياسي في البلد الأول.
ورغم كل الصلاحيات الممنوحة للوزارة فإنها فشلت في إنهاء أي ملف من الملفات
التي يتولاها.. بل تصاعدت المواقف فيها.. فالضربات الأمنية للإخوان المسلمين
زادتهم قوة وتعاطفاً في الشارع المصري في الوقت الذي يرفض فيه المسئولون في
الدولة الحوار معهم رسمياً وبصورة علنية. الغضب يتصاعد في الجامعات بسبب
تعيين الأساتذة وفقاً للتقارير الأمنية وليس وفقاً لنزاهتهم وكفاءتهم.. مذبحة
يومية ضد الطلاب من مختلف التيارات السياسية وغير السياسية .. وحتي قضية
انفلونزا الطيور دخل الأمن طرفاً فيها رغم أنها كارثة صحية.
حتي الرموز الدينية التي توضع علي السيارات رغم مخالفتها لقانون المرور
يتجاهل ضباط المرور إزالتها من السيارات، وهو دور جهاز بالأمن الأساسي.
غياب السياسيين
ولأننا دولة بوليسية يحكمها قانون طوارئ لمدة 26 عاماً متصلة.. وهذا القانون
يعطي الحق لجهاز الأمن في التدخل في كل كبيرة وصغيرة.. غاب دور رجال السياسة
وغاب دور رجال الدين والمثقفين عن حل القضايا، وتم اختزال الدولة في تعاملها
مع الإقباط علي رجال الأمن، مما أدي الي زيادة الاحتقان لديهم، وأدي إلي ما
انتهي اليه الأمر في الاسكندرية.. حرب شوارع لمدة 3 أيام.. أما السياسيون فلم
يتحركوا إلا عندما أذن الأمن لهم ونظموا مظاهرات سموها مظاهرات الوحدة
الوطنية. ورغم مظهرية هذا التحرك فإنه ساعد علي تهدئة الأمور.. وهذا نموذج
واحد لفوائد التدخل السياسي في القضايا السياسية والشيء الثاني وراء إبعاد
السياسيين والمختصين عن القضايا الشائكة.. ان رأس النظام لا يثق فيمن حوله من
ساسة.. لذلك يلجأ إلي اسناد هذه الملفات الي أجهزة الأمن بجانب أننا مازالنا
نعيش حكم الفرد الذي أدي الي غياب الوزراء السياسيين الذين لديهم قدرة علي
التحرك لعلاج الأزمات واكتفينا بالوزراء الموظفين الذين لا يتحركون إلا
بالتوجيهات والتعليمات وأصبح الوزير لا يحدد خط سيره، ولكن الذي يحدده له هو
الحارس الشخصي له المعين من قبل وزارة الداخلية.
وغياب الوزير السياسي وراء تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
في مصر وأصبح ضابط أمن الدولة هو الذي يتعارض مع مجموعة سياسية، ثم يرفع
تقريراً لقيادته التي تحيله إلي القيادة الأعلي ثم الأعلي حتي يصل الي صاحب
القرار، وتكون الأزمة قد تصاعدت ووصلت إلي الذروة.
دلائل الفشل
دلائل فشل الأمن في حل الأزمة الطائفية هي وقوع 7 حوادث طائفية في الشهور
الستة الماضية.. بداية من احداث كفر سلامة بالشرقية في أكتوبر الماضي، ثم
احداث محرم بك والمسرحية »الوهمية« ثم أزمة قرية العديسات بالأقصر ثم عزبة
واصف بالعياط بالجيزة ثم أحداث نجع حمادي وفاو وبقنا وأخيراً أحداث الجمعة
الماضي، وخلال الأحداث السبعة في الشهور الستة الماضية وقع ضحايا.. وهو أكبر
عدد من الحوادث الطائفية منذ أحداث الزاوية الحمراء في 1981. والغريب في هذه
الأحداث غياب الأمن عن حماية الكنائس وتدخله البطئ لاحتوائها وغياب السياسيين
عنها كلها.. والدليل الأكبر علي فشل الامن في علاج الملف القبطي هو هجوم رجال
الكنائس علي تبريرات أجهزة الأمن لأحداث الاسكندرية وفقدانه الثقة في رجال
الأمن.. بل ووصل الي ان الأمن هو الذي دبر الأحداث وساعد الجناة علي
ارتكابها.
مطلوب وقفة
الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجب ان تعود إلي أصحاب الاختصاص
ويعود دور أجهزة الأمن كما في جميع بلاد العالم الي حماية المجتمع من
الجريمة.. وتعقب المجرمين ومنع أي مظاهر تثير قلق المجتمع وتحذير السياسيين
وفق تقارير تعتمد علي الحقائق وليس الأقوال المرسلة مثل مذكرات التحريات.
آن الأوان لإبعاد الأمن عن التدخل في الحياة السياسية بداية من إلغاء دور
وزارة الداخلية في الانتخابات العامة واسنادها الي هيئة مستقلة، وآن الأوان
لتعود قومية جهاز الأمن بعد ان تحول الي أداة في يد الحزب الحاكم يعصف بها
بخصومه السياسيين ومعارضيه. يجب إعادة الملفات السياسية الي أصحابها من
السياسيين القادرين علي إدارة حوار حول القضية والوصول إلي حلول جذرية.. آن
الأوان لرفع المسئوليات الثقيلة عن كاهل رجال الأمن وتدريبهم علي الحياد
الإيجابي وتطبيق مبدأ سيادة القانون.. إنها مسئولية ثقيلة أساءت لرجل الأمن
المصري.. وأساءت للدولة المصرية التي تعرف الآن بأنها دولة بوليسية بحتة.
نشرت هذه المقاله من عاميين
ووجدتها منشوره علي موقع ايلاف
شكرا لهم